مالك بن الريب وأعظم مرثية في التاريخ
صفحة 1 من اصل 1
مالك بن الريب وأعظم مرثية في التاريخ
مالك بن الريب وأعظم مرثية في التاريخ
اسمه : مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسيل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر
كان من الفتاك الفرسان لصاً يقطع الطريق مع شظاظ الضبي الذي يضرب به المثل فيقال :ـ ألص من شظاظ
وأخباره مع شظاظ الضبي وغيره من قطاع الطرق كثيرة
وهو شاعر مقل لم يشتهر من شعره إلا هذه القصيدة وبعض الأبيات المنثورة في كتاب الأغاني
بداية العهد الجديد :
وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجه لإخماد تمرّد في خُرسان
وكان مالك من أجمل الناس وجهاً ، وأحسنهم ثياباً ، فلما رآه سعيد أعجبه
فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق حيث قال له ويحك مالك تفسد نفسك بقطع الطريق ؟
وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد وفيك هذا الفضل ؟
قال : يدعوني إليه العجز عن المعالي ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان ، قال 00
فإن أنا أغنيك واستصبحتك ، أتكلف عما كنت تفعل ؟ قال : إي والله أيها الأمير
أكف كفاً لم يكف أحدٌ أحسن منه ثم ذهب معه وأبلى بلاءً حسناً
بداية النهاية :
وفي طريق عودته إلى وادي الغضا في نجد وهو مسكن أهله أناخ الركب / نزل مالك للقيلولة
ولما هموا بالرحيل أراد أن يلبس خفه فلسعته أفعى كانت قد اندست فيه فلما أحس بالموت أنشأ يرثي نفسه
بهذه القصيدة وقد توفي في نهايتها
وفاته :
توفي في مرو سنه ست وخمسن56هـ وهي اليوم إحدى دول الاتحاد السوفيتي [ روسيا حاليا]
تأثر الناس بهذه القصيدة :
سمع أعرابي هذه المرثية تنشد فقال إن قائل هذه الأبيات يحتضر ويعالج سكرات الموت ولابد انه مات في نهايتها
فقيل له كيف عرفت هذا
قال إن البيت الأول اقوي من الثاني والثاني أقوى من الثالث وهكذا
انظر أخي كيف كان العرب ومع أن اغلبهم لا يقرأ ولا يكتب ولكنهم متمكنين من لغتهم وعارفين أسرارها
ذكرني هذا بالأعرابي الذي سمع من يقرا سوره التوبة فقال ينبغي أن تكون هذه آخر ما نزل من القرآن
فقيل له كيف عرفت
فال إني أرى عهود تنبذ ووصايا تنفذ
وعدد أبيات القصيدة 52 بيتا
وهذا نصها
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً بجنـب
الغضَـى أُزجـي الِقـلاصَ النواجيـا
فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَـه
وليت الغضى ماشى الرِّكـاب لياليـا
لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى
مزارٌ ولكـنَّ الغضـى ليـس دانيـا
ألم ترَنـي بِعـتُ الضلالـةَ بالهـدى
وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيـا
وأصبحتُ في أرض الأعاديَّ بعد مـا
أرانيَ عـن أرض الآعـاديّ قاصِيـا
دعاني الهوى من أهل أُودَ وصُحبتـي
بـذي (الطِّبَّسَيْـنِ) فالتفـتُّ ورائيـا
أجبتُ الهـوى لمّـا دعانـي بزفـرةٍ
تقنَّـعـتُ منـهـا أن أُلامَ ردائـيـا
أقول وقد حالتْ قُـرى الكُـردِ بيننـا
جزى اللهُ عمراً خيرَ ما كـان جازيـا
إنِ اللهُ يُرجعني مـن الغـزو لا أُرى
وإن قلَّ مالـي طالِبـاً مـا ورائيـا
تقول ابنتيْ لمّـا رأت طـولَ رحلتـي
سِفـارُكَ هـذا تاركـي لا أبـا ليـا
لعمريْ لئن غالتْ خراسـانُ هامتـي
لقد كنتُ عن بابَـي خراسـان نائيـا
فإن أنجُ من بابَي خراسـان لا أعـدْ
إليهـا وإن منَّيتُمـونـي الأمانـيـا
فللهِ دّرِّي يــوم أتــركُ طائـعـاً
بَنـيّ بأعلـى الرَّقمتَيـنِ ومالـيـا
ودرُّ الظبَّـاء السانـحـات عشـيـةً
يُخَبّـرنَ أنّـي هالـك مَـنْ ورائيـا
ودرُّ كبـيـريَّ اللـذيـن كلاهـمـا
عَلـيَّ شفيـقٌ ناصـح لـو نَهانيـا
ودرّ الرجـال الشاهـديـن تَفتُُّـكـي
بأمـريَ ألاّ يَقْصُـروا مـن وَثاقِيـا
ودرّ الهوى من حيث يدعو صحابتـي
ودّرُّ لجـاجـاتـي ودرّ انتِهـائـيـا
تذكّرتُ مَنْ يبكـي علـيَّ فلـم أجـدْ
سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيـا
وأشقرَ محبوكـاً يجـرُّ عِنانـه إلـى
الماء لم يترك لـه المـوتُ ساقيـا
ولكـنْ بأطـرف (السُّمَيْنَـةِ) نسـوةٌ
عزيـزٌ عليهـنَّ العشيـةَ مـا بيـا
صريعٌ على أيـدي الرجـال بقفـزة
يُسّوُّون لحـدي حيـث حُـمَّ قضائيـا
ولمّـا تـراءتْ عنـد مَـروٍ منيتـي
وخلَّ بها جسمـي، وحانـتْ وفاتيـا
أقـول لأصحابـي ارفعونـي فـإنّـه
يَقَـرُّ بعينـيْ أنْ (سُهَيْـلٌ) بَـدا لِيـا
فيـا صاحبَـيْ رحلـي دنـا المـوتُ
فانـزِلا برابيـةٍ إنّـي مقيـمٌ لياليـا
أقيما علـيَّ اليـوم أو بعـضَ ليلـةٍ
ولا تُعجلانـي قـد تَبـيَّـن شانِـيـا
وقوما إذا ما استـلَّ روحـي فهيِّئـا
لِيَ السِّـدْرَ والأكفـانَ عنـد فَنائيـا
وخُطَّا بأطـراف الأسنّـة مضجَعـي
ورُدّا علـى عينـيَّ فَضْـلَ رِدائـيـا
ولا تحسدانـي بــاركَ اللهُ فيكـمـا
من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا
خذاني فجرّاني بثوبـي إليكمـا فقـد
كنـتُ قبـل اليـوم صَعْبـاً قِيـاديـا
وقد كنتُ عطَّافـاً إذا الخيـل أدبَـرتْ
سريعاً لدى الهيجا إلى مَـنْ دعانيـا
وقد كنتُ صبّاراً على القِرْنِ في الوغى
وعن شَتْميَ ابنَ العَمِّ وَالجـارِ وانيـا
فَطَوْراً تَرانـي فـي ظِـلالٍ ونَعْمَـةٍ
وطـوْراً ترانـي والعِتـاقُ رِكابـيـا
ويوما ترانـي فـي رحـاً مُستديـرةٍ
تُخـرِّقُ أطـرافُ الرِّمـاح ثيابـيـا
وقوماً على بئـر السُّمَينـة أسمِعـا
بها الغُرَّ والبيضَ الحِسـان الرَّوانيـا
بأنّكمـا خلفتُمانـي بقَفْـرةٍ تَهِـيـلُ
علـيّ الريـحُ فيـهـا السّوافـيـا
ولا تَنْسَيـا عهـدي خليلـيَّ بعدمـا
تَقَطَّـعُ أوصالـي وتَبلـى عِظامـيـا
ولن يَعـدَمَ الوالُـونَ بَثَّـا يُصيبهـم
ولن يَعدم الميـراثُ مِنّـي المواليـا
يقولـون: لا تَبْعَـدْ وهـم يَدْفِنوننـي
وأيـنَ مكـانُ البُـعـدِ إلا مَكانـيـا
غداةَ غدٍ يا لهْفَ نفسـي علـى غـدٍ
إذا أدْلجُـوا عنّـي وأصبحـتُ ثاويـا
وأصبح مالي من طَريفٍ وتالدٍ لغيري
وكـان المـالُ بـالأمـس مالـيـا
فيا ليتَ شِعري هـل تغيَّـرتِ الرَّحـا
رحا المِثْلِ أو أمستْ بَفَلْوجٍ كما هيـا
إذا الحـيُّ حَلوهـا جميعـاً وأنزلـوا
بهـا بَقـراً حُـمّ العيـون سواجيـا
رَعَيـنَ وقـد كـادَ الظـلام يُجِنُّهـا
يَسُفْـنَ الخُزامـى مَـرةً والأقاحيـا
وهل أترُكُ العِيسَ العَوالـيَ بالضُّحـى
بِرُكبانِهـا تعلـو المِتـان الفيافـيـا
إذا عُصَبُ الرُكبـانِ بيـنَ (عُنَيْـزَةٍ)
و(بَوَلانَ) عاجوا المُبقيـاتِ النَّواجِيـا
فيا ليتَ شعري هـل بكـتْ أمُّ مالـكٍ
كما كنتُ لـو عالَـوا نَعِيَّـكِ باكِيـا
إذا مُتُّ فاعتـادي القبـورَ وسلِّمـي
على الرمسِ أُسقيتِ السحابَ الغَواديا
على جَدَثٍ قد جـرّتِ الريـحُ فوقـه
تُرابـاً كسَحْـق المَرْنَبانـيَّ هابـيـا
رَهينـة أحجـارٍ وتُـرْبٍ تَضَمَّـنـتْ
قرارتُهـا منّـي العِظـامَ البَوالـيـا
فيـا صاحبـا إمـا عرضـتَ فبلِغـاً
بنـي مـازن والرَّيـب أن لا تلاقيـا
وعرِّ قَلوصـي فـي الرِّكـاب فإنهـا
سَتَفلِـقُ أكبـاداً وتُبـكـي بواكـيـا
وأبصرتُ نـارَ (المازنيـاتِ) مَوْهِنـاً
بعَلياءَ يُثنى دونَهـا الطَّـرف رانيـا
بِعـودٍ أَلنْجـوجٍ أضـاءَ وَقُـودُهـا
مَهاً في ظِلالِ السِّدر حُـوراً جَوازيـا
غريـبٌ بعيـدُ الـدار ثـاوٍ بقـفـزةٍ
يَدَ الدهـر معروفـاً بـأنْ لا تدانيـا
اقلبُ طرفي حـول رحلـي فـلا أرى
به من عيـون المُؤنسـاتِ مُراعيـا
وبالرمل منّـا نسـوة لـو شَهِدْنَنـي
بَكيـنَ وفَدَّيـن الطبيـبَ المُـداويـا
وما كان عهدُ الرمل عنـدي وأهلِـهِ
ذميمـاً ولا ودّعـتُ بالرمـل قالِيـا
فمنهـنّ أمـي وابنتـايَ وخالـتـي
وباكيـةٌ أخـرى تَهيـجُ البواكـيـا
شرح بعض المفردات
* الرديني : الرمح القوي نسبه إلى ردينه وهي قبيلة كانت تجيد صنع الرماح
* أشقر محبوك: يعني حصانه الأشقر القوي
* تراءت :ظهرت وبدت. مرو:عاصمة خرسان .خل:ضعف
* سهيل : نجم لامع يطلع من الجنوب كان العرب يحبونه ويكثرون من ذكره
* ياصحبي رحلي: ياصاحبي في سفري
* السدر: ورق السدر العرب يستخدمونه بدل الصابون
* فضل ردائيا : الزائد من ثوبي
* بردي :ثوبي
* عطافاً: انعطف نحو الأعداء مهاجماً.أحجمت:تراجعت
* باكيه أخرى :يعني زوجته
الشرح:
ياترى هل تعود أيامنا مع الأحباب بوادي الغضا فأبيت فيه ليله أسوق النياق السريعة .
كم كنت أتمنى لو أن الغضا مشى معنا ونحن مسافرون فلم تقطع المطايا عرضه.
إن أهل الغضا أحباب مخلصون لو كانوا قريبين منا لواصلونا وزارونا ولكنهم للأسف بعيدون.
لقد كنت ضالاً فاهتديت وأصبحت في الجيش الغازي بقيادة سعيد بن عفان .
وحين أتذكر موتي ومن سيبكي عليّ لا أجد إلا رمحي وسيفي وهذا الفرس المضمّر القوي ألذي يجرٌ رسنه إلى الماء دونما فارس يسقيه .
حينما شعرت بالموت عبد مدينة مرو وضعف جسمي قلت لأصحابي : ارفعوا راسي لأرى نجم سهيل
فهو نجم محبوب لدي لأنه يطلع من نحو أهلي ، وقد لا تنتظران عندي إلا يوماً أو بعض ليله لأن أمري قد اتضح
فإذا خرجت روحي فاغسلاني بالسدر وجهزا أكفاني وأبكيا لوفاتي واحفرا قبري برؤؤس الرماح
وغطيا وجهي بالزائد من ثوبي .
ووسعا لي في قبري لأن أرض الله واسعة واسحباني إليكما بثوبي
فقد كنت أيام قوتي لايستطيع أحد أن يجرّني .وكنت انعطف على الأعداء إذا تقهقرت الخيل
وأسرع إلى نجدة من يدعوني .
آه على الرمّل بوادي الغضا إن فيه نساء لو رأينني لبكين لحالتي وفدّين الطبيب بأنفسهن
منهن أمي وأختاي وخالتي وزوجتي .ما كان أحسن أيام الرمل لقد كانت حميدة وكان أهل الرمل محبين لنا
مخلصين في ودادنا 0
التعليق
إذا تأملت هذه القصيدة العظيمة اتضحت لك فيها الخصائص الآتية:
1. أن العاطفة فيها في أوج الصّدق والحرارة لأن الشاعر حين يرثي نفسه يكون منفعلاً بإحساس لا مثيل له
إذ نفسه أغلى عليه من كل غالٍ .وهذه الخاصة جعلت هذه القصيدة من أشهر المراثي في الشعر العربي
2. المعاني فيها ابتكار وروعه كحديثه عن سيفه ورمحه وحصانه وهي تبكي بطولته وفروسيته
وفي توصياته لرفاقه تأثير موجع حقاً ومن معانيه الطريفة : قوله (( خُطّا بأطراف الأسنّة مضجعي)) .
ومن أجمل معانيه مقارنته بين حالته وهو ميت يسهل على أصحابه أن يجرّوه
وبين حالته وهو في كامل صحته حين كان من الصعب على أصحابه أن يجرّوه ،كما أنّ في ذكره لزوجته
ووالدته وقريباته ،وتصوير شعورهنّ حين يبلغن النبأ إبداعاً مميزاً .
3.الصور والأخيلة الواردة في معظم القصيدة بدويه ولكنّ بعضها يوضح جوّ ألفتوح الإسلامية
ومن الإشارات البدوية ((أزجي القلاص النواجيا / لم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا /
وأشقر محبوك / سهيل / ياصاحبي رحلي / هيئا السدر / .
4.في القصيدة تكرار بليغ الوقع والتأثير ،فقد كرر كلمتي الغضا والرّمل عدة مرات
لشدت حبه لهذين الموضعين .حتى لقد كرر كلمة الغضا ثلاث مرات في بيت واحد وهو البيت الثالث ..
اسمه : مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسيل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر
كان من الفتاك الفرسان لصاً يقطع الطريق مع شظاظ الضبي الذي يضرب به المثل فيقال :ـ ألص من شظاظ
وأخباره مع شظاظ الضبي وغيره من قطاع الطرق كثيرة
وهو شاعر مقل لم يشتهر من شعره إلا هذه القصيدة وبعض الأبيات المنثورة في كتاب الأغاني
بداية العهد الجديد :
وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجه لإخماد تمرّد في خُرسان
وكان مالك من أجمل الناس وجهاً ، وأحسنهم ثياباً ، فلما رآه سعيد أعجبه
فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق حيث قال له ويحك مالك تفسد نفسك بقطع الطريق ؟
وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد وفيك هذا الفضل ؟
قال : يدعوني إليه العجز عن المعالي ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان ، قال 00
فإن أنا أغنيك واستصبحتك ، أتكلف عما كنت تفعل ؟ قال : إي والله أيها الأمير
أكف كفاً لم يكف أحدٌ أحسن منه ثم ذهب معه وأبلى بلاءً حسناً
بداية النهاية :
وفي طريق عودته إلى وادي الغضا في نجد وهو مسكن أهله أناخ الركب / نزل مالك للقيلولة
ولما هموا بالرحيل أراد أن يلبس خفه فلسعته أفعى كانت قد اندست فيه فلما أحس بالموت أنشأ يرثي نفسه
بهذه القصيدة وقد توفي في نهايتها
وفاته :
توفي في مرو سنه ست وخمسن56هـ وهي اليوم إحدى دول الاتحاد السوفيتي [ روسيا حاليا]
تأثر الناس بهذه القصيدة :
سمع أعرابي هذه المرثية تنشد فقال إن قائل هذه الأبيات يحتضر ويعالج سكرات الموت ولابد انه مات في نهايتها
فقيل له كيف عرفت هذا
قال إن البيت الأول اقوي من الثاني والثاني أقوى من الثالث وهكذا
انظر أخي كيف كان العرب ومع أن اغلبهم لا يقرأ ولا يكتب ولكنهم متمكنين من لغتهم وعارفين أسرارها
ذكرني هذا بالأعرابي الذي سمع من يقرا سوره التوبة فقال ينبغي أن تكون هذه آخر ما نزل من القرآن
فقيل له كيف عرفت
فال إني أرى عهود تنبذ ووصايا تنفذ
وعدد أبيات القصيدة 52 بيتا
وهذا نصها
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً بجنـب
الغضَـى أُزجـي الِقـلاصَ النواجيـا
فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَـه
وليت الغضى ماشى الرِّكـاب لياليـا
لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى
مزارٌ ولكـنَّ الغضـى ليـس دانيـا
ألم ترَنـي بِعـتُ الضلالـةَ بالهـدى
وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيـا
وأصبحتُ في أرض الأعاديَّ بعد مـا
أرانيَ عـن أرض الآعـاديّ قاصِيـا
دعاني الهوى من أهل أُودَ وصُحبتـي
بـذي (الطِّبَّسَيْـنِ) فالتفـتُّ ورائيـا
أجبتُ الهـوى لمّـا دعانـي بزفـرةٍ
تقنَّـعـتُ منـهـا أن أُلامَ ردائـيـا
أقول وقد حالتْ قُـرى الكُـردِ بيننـا
جزى اللهُ عمراً خيرَ ما كـان جازيـا
إنِ اللهُ يُرجعني مـن الغـزو لا أُرى
وإن قلَّ مالـي طالِبـاً مـا ورائيـا
تقول ابنتيْ لمّـا رأت طـولَ رحلتـي
سِفـارُكَ هـذا تاركـي لا أبـا ليـا
لعمريْ لئن غالتْ خراسـانُ هامتـي
لقد كنتُ عن بابَـي خراسـان نائيـا
فإن أنجُ من بابَي خراسـان لا أعـدْ
إليهـا وإن منَّيتُمـونـي الأمانـيـا
فللهِ دّرِّي يــوم أتــركُ طائـعـاً
بَنـيّ بأعلـى الرَّقمتَيـنِ ومالـيـا
ودرُّ الظبَّـاء السانـحـات عشـيـةً
يُخَبّـرنَ أنّـي هالـك مَـنْ ورائيـا
ودرُّ كبـيـريَّ اللـذيـن كلاهـمـا
عَلـيَّ شفيـقٌ ناصـح لـو نَهانيـا
ودرّ الرجـال الشاهـديـن تَفتُُّـكـي
بأمـريَ ألاّ يَقْصُـروا مـن وَثاقِيـا
ودرّ الهوى من حيث يدعو صحابتـي
ودّرُّ لجـاجـاتـي ودرّ انتِهـائـيـا
تذكّرتُ مَنْ يبكـي علـيَّ فلـم أجـدْ
سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيـا
وأشقرَ محبوكـاً يجـرُّ عِنانـه إلـى
الماء لم يترك لـه المـوتُ ساقيـا
ولكـنْ بأطـرف (السُّمَيْنَـةِ) نسـوةٌ
عزيـزٌ عليهـنَّ العشيـةَ مـا بيـا
صريعٌ على أيـدي الرجـال بقفـزة
يُسّوُّون لحـدي حيـث حُـمَّ قضائيـا
ولمّـا تـراءتْ عنـد مَـروٍ منيتـي
وخلَّ بها جسمـي، وحانـتْ وفاتيـا
أقـول لأصحابـي ارفعونـي فـإنّـه
يَقَـرُّ بعينـيْ أنْ (سُهَيْـلٌ) بَـدا لِيـا
فيـا صاحبَـيْ رحلـي دنـا المـوتُ
فانـزِلا برابيـةٍ إنّـي مقيـمٌ لياليـا
أقيما علـيَّ اليـوم أو بعـضَ ليلـةٍ
ولا تُعجلانـي قـد تَبـيَّـن شانِـيـا
وقوما إذا ما استـلَّ روحـي فهيِّئـا
لِيَ السِّـدْرَ والأكفـانَ عنـد فَنائيـا
وخُطَّا بأطـراف الأسنّـة مضجَعـي
ورُدّا علـى عينـيَّ فَضْـلَ رِدائـيـا
ولا تحسدانـي بــاركَ اللهُ فيكـمـا
من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا
خذاني فجرّاني بثوبـي إليكمـا فقـد
كنـتُ قبـل اليـوم صَعْبـاً قِيـاديـا
وقد كنتُ عطَّافـاً إذا الخيـل أدبَـرتْ
سريعاً لدى الهيجا إلى مَـنْ دعانيـا
وقد كنتُ صبّاراً على القِرْنِ في الوغى
وعن شَتْميَ ابنَ العَمِّ وَالجـارِ وانيـا
فَطَوْراً تَرانـي فـي ظِـلالٍ ونَعْمَـةٍ
وطـوْراً ترانـي والعِتـاقُ رِكابـيـا
ويوما ترانـي فـي رحـاً مُستديـرةٍ
تُخـرِّقُ أطـرافُ الرِّمـاح ثيابـيـا
وقوماً على بئـر السُّمَينـة أسمِعـا
بها الغُرَّ والبيضَ الحِسـان الرَّوانيـا
بأنّكمـا خلفتُمانـي بقَفْـرةٍ تَهِـيـلُ
علـيّ الريـحُ فيـهـا السّوافـيـا
ولا تَنْسَيـا عهـدي خليلـيَّ بعدمـا
تَقَطَّـعُ أوصالـي وتَبلـى عِظامـيـا
ولن يَعـدَمَ الوالُـونَ بَثَّـا يُصيبهـم
ولن يَعدم الميـراثُ مِنّـي المواليـا
يقولـون: لا تَبْعَـدْ وهـم يَدْفِنوننـي
وأيـنَ مكـانُ البُـعـدِ إلا مَكانـيـا
غداةَ غدٍ يا لهْفَ نفسـي علـى غـدٍ
إذا أدْلجُـوا عنّـي وأصبحـتُ ثاويـا
وأصبح مالي من طَريفٍ وتالدٍ لغيري
وكـان المـالُ بـالأمـس مالـيـا
فيا ليتَ شِعري هـل تغيَّـرتِ الرَّحـا
رحا المِثْلِ أو أمستْ بَفَلْوجٍ كما هيـا
إذا الحـيُّ حَلوهـا جميعـاً وأنزلـوا
بهـا بَقـراً حُـمّ العيـون سواجيـا
رَعَيـنَ وقـد كـادَ الظـلام يُجِنُّهـا
يَسُفْـنَ الخُزامـى مَـرةً والأقاحيـا
وهل أترُكُ العِيسَ العَوالـيَ بالضُّحـى
بِرُكبانِهـا تعلـو المِتـان الفيافـيـا
إذا عُصَبُ الرُكبـانِ بيـنَ (عُنَيْـزَةٍ)
و(بَوَلانَ) عاجوا المُبقيـاتِ النَّواجِيـا
فيا ليتَ شعري هـل بكـتْ أمُّ مالـكٍ
كما كنتُ لـو عالَـوا نَعِيَّـكِ باكِيـا
إذا مُتُّ فاعتـادي القبـورَ وسلِّمـي
على الرمسِ أُسقيتِ السحابَ الغَواديا
على جَدَثٍ قد جـرّتِ الريـحُ فوقـه
تُرابـاً كسَحْـق المَرْنَبانـيَّ هابـيـا
رَهينـة أحجـارٍ وتُـرْبٍ تَضَمَّـنـتْ
قرارتُهـا منّـي العِظـامَ البَوالـيـا
فيـا صاحبـا إمـا عرضـتَ فبلِغـاً
بنـي مـازن والرَّيـب أن لا تلاقيـا
وعرِّ قَلوصـي فـي الرِّكـاب فإنهـا
سَتَفلِـقُ أكبـاداً وتُبـكـي بواكـيـا
وأبصرتُ نـارَ (المازنيـاتِ) مَوْهِنـاً
بعَلياءَ يُثنى دونَهـا الطَّـرف رانيـا
بِعـودٍ أَلنْجـوجٍ أضـاءَ وَقُـودُهـا
مَهاً في ظِلالِ السِّدر حُـوراً جَوازيـا
غريـبٌ بعيـدُ الـدار ثـاوٍ بقـفـزةٍ
يَدَ الدهـر معروفـاً بـأنْ لا تدانيـا
اقلبُ طرفي حـول رحلـي فـلا أرى
به من عيـون المُؤنسـاتِ مُراعيـا
وبالرمل منّـا نسـوة لـو شَهِدْنَنـي
بَكيـنَ وفَدَّيـن الطبيـبَ المُـداويـا
وما كان عهدُ الرمل عنـدي وأهلِـهِ
ذميمـاً ولا ودّعـتُ بالرمـل قالِيـا
فمنهـنّ أمـي وابنتـايَ وخالـتـي
وباكيـةٌ أخـرى تَهيـجُ البواكـيـا
شرح بعض المفردات
* الرديني : الرمح القوي نسبه إلى ردينه وهي قبيلة كانت تجيد صنع الرماح
* أشقر محبوك: يعني حصانه الأشقر القوي
* تراءت :ظهرت وبدت. مرو:عاصمة خرسان .خل:ضعف
* سهيل : نجم لامع يطلع من الجنوب كان العرب يحبونه ويكثرون من ذكره
* ياصحبي رحلي: ياصاحبي في سفري
* السدر: ورق السدر العرب يستخدمونه بدل الصابون
* فضل ردائيا : الزائد من ثوبي
* بردي :ثوبي
* عطافاً: انعطف نحو الأعداء مهاجماً.أحجمت:تراجعت
* باكيه أخرى :يعني زوجته
الشرح:
ياترى هل تعود أيامنا مع الأحباب بوادي الغضا فأبيت فيه ليله أسوق النياق السريعة .
كم كنت أتمنى لو أن الغضا مشى معنا ونحن مسافرون فلم تقطع المطايا عرضه.
إن أهل الغضا أحباب مخلصون لو كانوا قريبين منا لواصلونا وزارونا ولكنهم للأسف بعيدون.
لقد كنت ضالاً فاهتديت وأصبحت في الجيش الغازي بقيادة سعيد بن عفان .
وحين أتذكر موتي ومن سيبكي عليّ لا أجد إلا رمحي وسيفي وهذا الفرس المضمّر القوي ألذي يجرٌ رسنه إلى الماء دونما فارس يسقيه .
حينما شعرت بالموت عبد مدينة مرو وضعف جسمي قلت لأصحابي : ارفعوا راسي لأرى نجم سهيل
فهو نجم محبوب لدي لأنه يطلع من نحو أهلي ، وقد لا تنتظران عندي إلا يوماً أو بعض ليله لأن أمري قد اتضح
فإذا خرجت روحي فاغسلاني بالسدر وجهزا أكفاني وأبكيا لوفاتي واحفرا قبري برؤؤس الرماح
وغطيا وجهي بالزائد من ثوبي .
ووسعا لي في قبري لأن أرض الله واسعة واسحباني إليكما بثوبي
فقد كنت أيام قوتي لايستطيع أحد أن يجرّني .وكنت انعطف على الأعداء إذا تقهقرت الخيل
وأسرع إلى نجدة من يدعوني .
آه على الرمّل بوادي الغضا إن فيه نساء لو رأينني لبكين لحالتي وفدّين الطبيب بأنفسهن
منهن أمي وأختاي وخالتي وزوجتي .ما كان أحسن أيام الرمل لقد كانت حميدة وكان أهل الرمل محبين لنا
مخلصين في ودادنا 0
التعليق
إذا تأملت هذه القصيدة العظيمة اتضحت لك فيها الخصائص الآتية:
1. أن العاطفة فيها في أوج الصّدق والحرارة لأن الشاعر حين يرثي نفسه يكون منفعلاً بإحساس لا مثيل له
إذ نفسه أغلى عليه من كل غالٍ .وهذه الخاصة جعلت هذه القصيدة من أشهر المراثي في الشعر العربي
2. المعاني فيها ابتكار وروعه كحديثه عن سيفه ورمحه وحصانه وهي تبكي بطولته وفروسيته
وفي توصياته لرفاقه تأثير موجع حقاً ومن معانيه الطريفة : قوله (( خُطّا بأطراف الأسنّة مضجعي)) .
ومن أجمل معانيه مقارنته بين حالته وهو ميت يسهل على أصحابه أن يجرّوه
وبين حالته وهو في كامل صحته حين كان من الصعب على أصحابه أن يجرّوه ،كما أنّ في ذكره لزوجته
ووالدته وقريباته ،وتصوير شعورهنّ حين يبلغن النبأ إبداعاً مميزاً .
3.الصور والأخيلة الواردة في معظم القصيدة بدويه ولكنّ بعضها يوضح جوّ ألفتوح الإسلامية
ومن الإشارات البدوية ((أزجي القلاص النواجيا / لم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا /
وأشقر محبوك / سهيل / ياصاحبي رحلي / هيئا السدر / .
4.في القصيدة تكرار بليغ الوقع والتأثير ،فقد كرر كلمتي الغضا والرّمل عدة مرات
لشدت حبه لهذين الموضعين .حتى لقد كرر كلمة الغضا ثلاث مرات في بيت واحد وهو البيت الثالث ..
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى